مجلة القانون العربي مجلة متخصصة في نشر المقالات القانونية و القرارات القضائية و الاجتهادات الفقهية
تعتبر طلبات ارجاع الحالة الى ما كانت عليه من الطلبات الوقتية والاستعجالية التي يختص بها رئيس المحكمة بوصفه قاضيا للمستعجلات ،وتستند طلبات الارجاع اما تنفيذا لحكم قضائي نهائي او تنفيذا لأي حكم قابل للتنفيذ أي صادر بالتنفيذ المعجل القضائي الوجوبي ام الاختياري او تنفيذا لأي عقد او رسم يحظى بحماية قانونية كالرسم العقاري حينما يتم الاعتداء على الملكية العقارية
وترجع علة الاستجابة لطلب الارجاع في حماية قوة الشيء المقضي به وما تحظى به من حماية دستورية طبقا للفصل من الدستور 126 ورفع كل اعتداء مادي على حق او حرية مصونة درء الاي ضرر حال او لاضطراب ثبت جليا انه غير مشروع لإرجاع الأطراف الى نفس الوضع الذي كانوا عليه قبل حدوث العمل غير المشروع.
وحيث استقر قضاء محكمة النقض على أن طلب الرجوع ورد الحالة الى ما كانت عليه من المسائل الاستعجالية التي تكون اجراء تحفظيا لحماية الجانب المعرض للخطر
-قرار محكمة النقض عدد 198 صادر بتاريخ 15يونيو 1979 ملف مدني عدد 57801 منشور بمجلة قضاء محكمة النقض عدد 26 ص 88
- قرار محكمة النقض عدد 2435صادر بتاريخ 19/9/1988ملف عدد 7204/85منشور بمجلة المحامي عدد 22 ص 151.
-قرار محكمة النقض عدد 2410/04 صادر بتاريخ 6/7/2004 في الملف رقم 840/04/4 منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 101 مارس ابريل 2006ص 157.
وسيرا على هذي العمل القضائي المستقر لمحكمة النقض انتصر قاضي المستعجلات للمحكمة الإدارية بالبيضاء في الامر الاستعجالي عدد 228 الصادر بتاريخ 30/3/2017 في الملف عدد 136/7101/2017 لمبدأ وجوب تنفيذ الاحكام القضائية طبقا للفصل 126 من الدستور ولاسيما القاضية بوقف تنفيذ قرار اداري أصدره عمدة البيضاء يتعلق بإفراغ شركة ديمكو من مارشي كريو البيضاء بالمخالفة لعقد الكراء المبرم بينهما مستندا على الحيثيات التالية " وحيث ان طبيعة النزاع وارتباطه بتنفيذ عقد تم إبرامه في إطار الاستثمار تطلب إمكانيات مادية ومالية ضخمة وفق ما هو ثابت في تقرير الخبرة المدرج بالملف وموضوع نزاع جدي بين أطرافه كل ذلك كان يستوجب التروي وانتظار مآل المساطر القضائية المذكورة بدل الإسراع في التنفيذ بواسطة القوة العمومية ثم إبرام الاتفاقية مع شركة التنمية المحلية "الدار البيضاء للتراث" بشأن المرفق موضوع النزاع قبل انتهاء المساطر القضائية الرائجة بشأنه كل ذلك يشكل انتهاكا سافرا للمساطر المذكورة.
وحيث إنه باستحضار كل هذه المعطيات فقد قدرنا بصفتنا قاضيا للمستعجلات من صميم اختصاصه الحفاظ على المراكز القانونية للأطراف وحماية حقوقهم الوقتية ورفع كل اعتداء مادي بين ينطوي على خرق سافر للقانون وتصرف منقطع الصلة بالمشروعية ما دام أن قرينة المشروعية تكتسيها القرارات الإدارية وأن حق الإدارة في تنفيذها يبقى مقرونا بعدم وجود تعسف في استعمال هذا الحق يراقب من المحكمة الإدارية في نطاق اختصاصاتها كما يراقب أيضا من القاضي الاستعجالي الذي يستمد اختصاصه منها ويقضي برفع كل اعتداء مادي بين كما يضع حدا لأي تعسف في استعمال الحق بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه.
وحيث إنه وتأسيسا عما ذكر فإن لجوء الجماعة المدعى عليها إلى محاولة فرض الأمر الواقع وتنفيذ قراراتها في التفاف على المساطر القضائية الجارية يعد تصرفا منافيا لمبادئ العدالة ومساسا بقدسية القضاء وإهدارا لدوره في حماية حقوق المتقاضين وإشاعة جو عدم الثقة في سلطة القضاء وفعاليته في الرقابة على عمل الإدارة وهو ما ينطوي على هدم لمبدأ الأمن القضائي الذي كرسه الدستور المغربي من خلال الفصل 117 منه الذي ينص على أنه : "يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون" وهو المبدأ الذي أكدت عليه المواثيق الدولية ذات الصلة مما يبرر تدخل قاضي المستعجلات لإعادة الأمور إلى نصابها كما كانت عليه من قبل من منطلق الحرص على ضمان قدسية القضاء وتعزيز الثقة فيه والاطمئنان إلى فعاليته ومصداقيته ودوره في حماية الاستثمار وكسب ثقة المستثمرين فيه مغاربة كانوا أم أجانب، وتقيد بمبدأ التطبيق العادل للقانون المنصوص عليه دستوريا".
والملاحظ ان هذا الامر الاستعجالي صادف الصواب بحمايته للشرعية وسيادة القانون ومبدأ وجوب تنفيذ الاحكام القضائية حماية للحقوق والحريات في اجل معقول وصيانة الامن القضائي وتشجيع الاستثمار.
وهكذا استطاع قاضي المستعجلات بالتصدي لعدم الانصياع لقرارته بوقف التنفيذ بتقرير ارجاع الحالة الى ما كانت عليه ضمانة لتنفيذ الاحكام القضائية والانصياع لها وعدم التحايل عليها بالامتناع عن التنفيذ او اصدار قرارات إدارية جديدة للتنصل منها وخلق أوضاع جديدة على الأرض تجعل من المتعذر او المستحيل التنفيذ
وهكذا قرر الامر الاستعجالي المذكور وعيا منه بخطورة الاستهانة بأحكام القضاء وتحقيرها ،فقد اعتبرها تنطوي على اعتداء مادي يخول لقضاء المستعجلات التدخل لرفع الضرر الحال والمستعجل ،ولا يتوقف الامر على رفع دعوى الغاء القرار السلبي بالامتناع عن التنفيذ للشطط في استعمال السلطة لان القاضي تنبه الى حيلة قيام الإدارة بإصدار قرارات متعددة مخالفة من شان تناسل الطعون فيها امام قضاء الموضوع إطالة النزاع وربح الإدارة للوقت والمس بحجية الشيء المقضي به.
ترتيبا على ذلك "أنه من المتفق عليه فقها وقضاء أن إرجاع أو رد الحالة إلى ما كانت عليه تعتبر من المسائل الوقتية التي تكتسي طابعا استعجاليا ويبقى أمر البت في طلب ذلك من صميم اختصاص قاضي المستعجلات.
إن إصدار رئيس الجماعة الحضرية المدعى عليها لقرار ثان بإخلاء المدعية من العقار الذي تكتريه يبقى مجرد استنساخ لقراره الأول الصادر في نفس الموضوع والذي هو محل طعن لا زال جاريا أمام المحكمة الإدارية وصدر بشأنه حكم قضى بإيقاف تنفيذه، وقيامه رغم ذلك بتنفيذه وباستعمال القوة العمومية دون سحب قراره الأول في تجاهل تام للمساطر القضائية الجارية، وصدور حكم بإيقاف تنفيذه يعد قرارا فاقدا للمشروعية وينطوي على تعسف في استعمال الحق يرقى إلى درجة الاعتداء المادي البين يبرر تدخل قاضي المستعجلات لوضع حد له وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه تكريسا لمبدأ الأمن القضائي وحفاظا على ثقة المتقاضين بصفة عامة والمستثمرين بصفة خاصة مغاربة وأجانب في الحماية القضائية".
ولا يخفى أن تنفيذ الأحكام القضائية هو الهدف المتوخى من اللجوء إلى القضاء، إذ لا ينفع التكلم بحق لا نفاذ له، كما أن عدم التنفيذ أو التأخير فيه يلحق ضررا جسيما بالمحكوم له، ويؤثر بالتالي على مصداقية الأحكام وعلى ثقة المواطنين في القضاء.
وتكمن أهمية موضوع تنفيذ الأحكام القضائية في كونها أسمى تعبير من كل الأطراف المعنية عن تمجيد القضاء وتكريم السلطة القضائية، وفي ذات الوقت اعترافا بحقوق المواطنين واحتراما وتكريسا لحقوق الإنسان، ، طبقا لما أكده عليه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، خلال ترأسه لافتتاح أشغال دورة المجلس الأعلى للقضاء يوم 15 دجنبر 1999حيث أكد حفظه الله أنه : " ... من البديهي أنه لن يحقق القضاء هذا المبتغى إلا إذا ضمنا لهيئته الحرمة اللازمة والفعالية الضرورية بجعل أحكامه الصادرة باسمنا تستهدف الإنصاف وفورية البت والتنفيذ، وجريان مفعولها على من يعنيهم الأمر".
وقد تطور مبدأ تنفيذ الأحكام إلى أن صار مبدأ دستوريا كرسه الفصل 126 من دستور المملكة بتنصيصيه على ما مؤداه: "يجب على الجميع احترام الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء
وفي الواقع لا قيمة للحماية القضائية بدون تحقق تنفيذ الأحكام النهائية خاصة منها الصادرة في مواجهة ،ولاشك أن مرور ثلاث سنوات على المصادقة على الدستور الجديد ، لم يحل دون رصد واقع لا يرتفع يتجلى في تسجيل مواقف سلبية في حق الإدارة المطلوب ضدها التنفيذ وتفاوتها بين
-امتناعها الصريح عن التفيذ
- إلى تراخيها في التنفيذ
- مرورا بتنفيذها الناقص لقوة الشيء المقضي به
وهكذا أصبحت ظاهرة عدم تنفيذ الأحكام الإدارية تستأهل حلولا ناجعة ومكرسة لمبدأ احترام أحكام القضاء الإداري وضرورة تنفيذها .مادام أن الحماية القضائية لا تكتمل إلا بتمام تنفيذ الأحكام ، ولا قيمة لأحكام القضاء إذا لم يتم تنفيذ ها ، لاسيما في ظل تطور القيم والمبادئ الديمقراطية في الدولة القانونية التي تعتبر الإدارة مثلها مثل الأفراد ملتزمة بتنفيذ الأحكام المكتسبة لقوة الشيء المقضي به
إن محدودية الحلول التي اهتدى إليها القاضي الإداري لإجبار الإدارة على تنفيذ أحكامه والمتميزة هي الأخرى بمرجعية القانون الخاص وعدم اقترانها بآليات قانونية كفيلة بإجبار الإدارة على التنفيذ
وتفريعا عن ذلك ، فإن أي مقاربة قانونية لإشكالية تنفيذ الأحكام الإدارية والحلول تقتضي :
أولا إزالة كل أشكال الشطط والتعسف المنافية للشرعية والقانون بالتزام الإدارة صحيح القانون في قراراتها وأعمالها الإدارية والمادية
ثانيا استحضار المرتكزات الدستورية لإشكالية تنفيذ الأحكام الإدارية باعتبارها مدخلا لأي معالجة تشريعية لاحقة :
-أن التنفيذ عملية قانونية وقضائية يستقل بها القضاء الإداري ويختص بها دون غيره ،ويحظر تدخل أي جهة كيفما كانت في إجراءاته .
-أن التنفيذ يتضمن في طياته نهاية المنازعة القضائية الإدارية ،وأن القاضي الإداري مدعو إلى السير بإجراءاته إلى نهايتها، تقيدا منه بقوة الشيء المقضي به.
-خضوع الجميع إدارة ومواطنين لقوة الشيء المقضي به طبقا لمبدّأ المساواة أمام القانون والقضاء.
-وجوب امثتال الإدارة بقوة القانون لقوة الشيء المقضي به ،تحت طائلة إخضاعها لطرق التنفيذ الجبري المتوافقة مع طبيعتها.
-التنفيذ داخل الأجل المعقول ،فإذا كانت إجراءات المحاكمة والبت تخضع للأجل المعقول طبقا لما أقره الدستور ،فبصفة أولى خضوع التنفيذ لهذه الأحكام تيسيرا على المنفذ له في الحصول على حقه بسرعة.
- عدم جواز فرض أو سلوك إجراءات إدارية أو قضائية تعيق التنفيذ أو تشل فعاليته من خلال الاستشكالات في التنفيذ غير الجدية
أو الكيدية.
-عدالة التنفيذ بإجراءات منصفة وفعالة وسريعة ،ومرنة وغير مكلفة ماديا ومعنويا للخصوم.
وعلى هذا الأساس، يكون المشرع مدعوا إلى التدخل لسن قواعد قانونية واضحة المعالم وفقا لما أقره مشروع قانون المسطرة المدنية تفعيلا للمقتضيات الدستورية المؤكدة على عدم المساس بحجية أحكام القضاء الإداري ودعم مصداقية أحكامه ، وذلك من خلال :
- إصدار قانون خاص بالإجراءات الإدارية مستقلا عن قانون المسطرة المدنية في أفق إحداث المحكمة العليا الإدارية ، وتخصيص باب مستقل بتنفيذ الأحكام الإدارية .
- تفعيل دور مؤسسة قاضي التنفيذ في مجال تنفيذ الأحكام الإدارية مع اضطلاع كل محكمة إدارية بتنفيذ أحكامها ،وبواسطة المفوض القضائي المختار في حالة وقوع التنفيذ خارج الدائرة القضائية للمحكمة التي أصدرت الحكم المراد تنفيذه.
-تمكين المنفذ له من اختيار المحكمة المراد التنفيذ في دائرتها بالنظر لوقوع الشيء المحل التنفيذ،وفك الارتباط بين المحكمة المصدرة للحكم وبين جهة التنفيذ
- التنصيص على المسؤولية الشخصية للموظف العمومي الممتنع عن تنفيذ الأحكام الإدارية بدون وجه حق
- إقرار مسؤوليته التأديبية
-إقرار مسؤولية الموظف الجنائية وفقا لما قرره مشروع قانون المسطرة المدنية ،والمادة 308 من مسودة القانون الجنائي التي جرمت عدم تنفيذ الأحكام أو التسبب في التأخير في تنفيذها في خطوة مهمة ورائدة تبتغي ضمان فعالية جدية في إلزام المنفذ عليهم كانوا أشخاص ذاتيين أو معنويين في تنفيذ قوة الشيء المقضي به والانصياع جبرا للأحكام القضائية باعتبارها عنوان الحقيقة.
ولاشك أن تفعيل نظام المسؤولية بمختلف تصوراتها وتمظهراتها عن عدم التنفيذ يمثل تخفيفا لأعباء مالية إضافية عن الإدارة عندما يثبت أن سبب الامتناع عن التنفيذ موقف شخصي صرف .
- نشر القرار الإداري التأديبي أو الحكم القاضي بتطبيق جزاءات مالية ضد الممتنع عن تنفيذ حكم إداري ،في جريدة وطنية أو أكثر .
-اعتبار الحكم الذي يلزم مالية الإدارة بمثابة أمر بالأداء ملزم لميزانية الإدارة المعنية بالتنفيذ باعتباره من الوثائق المحاسباتية المقبولة للدفع مع وجوب تضمن هذه الميزانية لبند خاص بتنفيذ الأحكام الإدارية وفقا لما قرره مشروع قانون المسطرة المدنية .
وقد لقد كان من نتائج التكريس الدستوري لمبدأ تنفيذ الأحكام ،وإقراره لمسؤولية الدولة في تطبيق القوانين،أن أصبح الوزراء دستوريا مسؤولون عن تنفيذ السياسة الحكومية كل في القطاع المكلف به، وفي إطار التضامن الحكومي(الفصل 93) تحت إشراف رئيس الحكومة باعتباره صاحب السلطة التنظيمية(الفصل 90).
وإذا كان رئيس الحكومة يمثل الدولة أمام القضاء ،فإن عدم توفر ميزانية رئيس الحكومة على اعتمادات مالية من أجل تنفيذ الأحكام،يطرح إشكال حقيقي في غاية الأهمية والخطورة في نفس الوقت بالنسبة للأحكام القاضية على الدولة مباشرة بأداء مبالغ مالية ،من جهة تحديد الجهة المخاطبة بالتنفيذ ،والحساب المالي المرصود له،لاسيما أمام تعاظم دور مؤسسة رآسة الحكومة و واستقلالها عن باقي الوزارات ماليا وإداريا ،وتمتعها بالشخصية المعنوية مثلها مثل رآسة الحكومة .
ومن المهم الإشارة أن عدد ملفات التنفيذ ضد الدولة التي تتطلب حلا عاجلا لمواجهتها صارت مرتفعة جدا بشكل لا يتصور، لاسيما وأن المستفيدين من هذه الأحكام ما فتئو يتقدمون بطلب لتحرير محاضر امتناع في مواجهة الدولة في شخص رئيس الحكومة ،لذلك يقترح إيجاد حلول عاجلة للتنفيذ،وتوفير ميزانية بهذا الخصوص ،لأنه لا قيمة للأحكام بدون تنفيذ ،ولا قيمة لدولة الحق والقانون بدون حماية فعالة لحقوق المواطنين بالوصول إليها وتنفيذها بسرعة ويسر وفي أقرب الآجال.
وهكذا فإن الإدارة ملزمة قانونا ودستوريا بالخضوع إراديا وتلقائيا للقاعدة القانونية بمفهومها الواسع مادام تفعيل مفهوم العدالة الإدارية يستند إلى إجبارية خضوع الإدارة تلقائيا وبحسن نية لمبدأ الشرعية الدستورية، ليس فقط سلبا، بالاستنكاف عن مخالفة ما قرره القضاء ، بل كذلك إيجابا بالعمل على اتخاذ جميع الإجراءات والتدابير اللازمة لتنفيذ قوة الشيء المقضي به
إختصاص قاضي المستعجلات بإرجاع الحالة الى ماكانت عليه ضمانا لقطع دابر التحايل على تنفيذ الاحكام القضائية "قضية مارشي كريو نموذجا"
إختصاص قاضي المستعجلات بإرجاع الحالة الى ماكانت عليه ضمانا لقطع دابر التحايل على تنفيذ الاحكام القضائية "قضية مارشي كريو نموذجا"
تعتبر طلبات ارجاع الحالة الى ما كانت عليه من الطلبات الوقتية والاستعجالية التي يختص بها رئيس المحكمة بوصفه قاضيا للمستعجلات ،وتستند طلبات الارجاع اما تنفيذا لحكم قضائي نهائي او تنفيذا لأي حكم قابل للتنفيذ أي صادر بالتنفيذ المعجل القضائي الوجوبي ام الاختياري او تنفيذا لأي عقد او رسم يحظى بحماية قانونية كالرسم العقاري حينما يتم الاعتداء على الملكية العقارية
وترجع علة الاستجابة لطلب الارجاع في حماية قوة الشيء المقضي به وما تحظى به من حماية دستورية طبقا للفصل من الدستور 126 ورفع كل اعتداء مادي على حق او حرية مصونة درء الاي ضرر حال او لاضطراب ثبت جليا انه غير مشروع لإرجاع الأطراف الى نفس الوضع الذي كانوا عليه قبل حدوث العمل غير المشروع.
وحيث استقر قضاء محكمة النقض على أن طلب الرجوع ورد الحالة الى ما كانت عليه من المسائل الاستعجالية التي تكون اجراء تحفظيا لحماية الجانب المعرض للخطر
-قرار محكمة النقض عدد 198 صادر بتاريخ 15يونيو 1979 ملف مدني عدد 57801 منشور بمجلة قضاء محكمة النقض عدد 26 ص 88
- قرار محكمة النقض عدد 2435صادر بتاريخ 19/9/1988ملف عدد 7204/85منشور بمجلة المحامي عدد 22 ص 151.
-قرار محكمة النقض عدد 2410/04 صادر بتاريخ 6/7/2004 في الملف رقم 840/04/4 منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 101 مارس ابريل 2006ص 157.
وسيرا على هذي العمل القضائي المستقر لمحكمة النقض انتصر قاضي المستعجلات للمحكمة الإدارية بالبيضاء في الامر الاستعجالي عدد 228 الصادر بتاريخ 30/3/2017 في الملف عدد 136/7101/2017 لمبدأ وجوب تنفيذ الاحكام القضائية طبقا للفصل 126 من الدستور ولاسيما القاضية بوقف تنفيذ قرار اداري أصدره عمدة البيضاء يتعلق بإفراغ شركة ديمكو من مارشي كريو البيضاء بالمخالفة لعقد الكراء المبرم بينهما مستندا على الحيثيات التالية " وحيث ان طبيعة النزاع وارتباطه بتنفيذ عقد تم إبرامه في إطار الاستثمار تطلب إمكانيات مادية ومالية ضخمة وفق ما هو ثابت في تقرير الخبرة المدرج بالملف وموضوع نزاع جدي بين أطرافه كل ذلك كان يستوجب التروي وانتظار مآل المساطر القضائية المذكورة بدل الإسراع في التنفيذ بواسطة القوة العمومية ثم إبرام الاتفاقية مع شركة التنمية المحلية "الدار البيضاء للتراث" بشأن المرفق موضوع النزاع قبل انتهاء المساطر القضائية الرائجة بشأنه كل ذلك يشكل انتهاكا سافرا للمساطر المذكورة.
وحيث إنه باستحضار كل هذه المعطيات فقد قدرنا بصفتنا قاضيا للمستعجلات من صميم اختصاصه الحفاظ على المراكز القانونية للأطراف وحماية حقوقهم الوقتية ورفع كل اعتداء مادي بين ينطوي على خرق سافر للقانون وتصرف منقطع الصلة بالمشروعية ما دام أن قرينة المشروعية تكتسيها القرارات الإدارية وأن حق الإدارة في تنفيذها يبقى مقرونا بعدم وجود تعسف في استعمال هذا الحق يراقب من المحكمة الإدارية في نطاق اختصاصاتها كما يراقب أيضا من القاضي الاستعجالي الذي يستمد اختصاصه منها ويقضي برفع كل اعتداء مادي بين كما يضع حدا لأي تعسف في استعمال الحق بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه.
وحيث إنه وتأسيسا عما ذكر فإن لجوء الجماعة المدعى عليها إلى محاولة فرض الأمر الواقع وتنفيذ قراراتها في التفاف على المساطر القضائية الجارية يعد تصرفا منافيا لمبادئ العدالة ومساسا بقدسية القضاء وإهدارا لدوره في حماية حقوق المتقاضين وإشاعة جو عدم الثقة في سلطة القضاء وفعاليته في الرقابة على عمل الإدارة وهو ما ينطوي على هدم لمبدأ الأمن القضائي الذي كرسه الدستور المغربي من خلال الفصل 117 منه الذي ينص على أنه : "يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون" وهو المبدأ الذي أكدت عليه المواثيق الدولية ذات الصلة مما يبرر تدخل قاضي المستعجلات لإعادة الأمور إلى نصابها كما كانت عليه من قبل من منطلق الحرص على ضمان قدسية القضاء وتعزيز الثقة فيه والاطمئنان إلى فعاليته ومصداقيته ودوره في حماية الاستثمار وكسب ثقة المستثمرين فيه مغاربة كانوا أم أجانب، وتقيد بمبدأ التطبيق العادل للقانون المنصوص عليه دستوريا".
والملاحظ ان هذا الامر الاستعجالي صادف الصواب بحمايته للشرعية وسيادة القانون ومبدأ وجوب تنفيذ الاحكام القضائية حماية للحقوق والحريات في اجل معقول وصيانة الامن القضائي وتشجيع الاستثمار.
وهكذا استطاع قاضي المستعجلات بالتصدي لعدم الانصياع لقرارته بوقف التنفيذ بتقرير ارجاع الحالة الى ما كانت عليه ضمانة لتنفيذ الاحكام القضائية والانصياع لها وعدم التحايل عليها بالامتناع عن التنفيذ او اصدار قرارات إدارية جديدة للتنصل منها وخلق أوضاع جديدة على الأرض تجعل من المتعذر او المستحيل التنفيذ
وهكذا قرر الامر الاستعجالي المذكور وعيا منه بخطورة الاستهانة بأحكام القضاء وتحقيرها ،فقد اعتبرها تنطوي على اعتداء مادي يخول لقضاء المستعجلات التدخل لرفع الضرر الحال والمستعجل ،ولا يتوقف الامر على رفع دعوى الغاء القرار السلبي بالامتناع عن التنفيذ للشطط في استعمال السلطة لان القاضي تنبه الى حيلة قيام الإدارة بإصدار قرارات متعددة مخالفة من شان تناسل الطعون فيها امام قضاء الموضوع إطالة النزاع وربح الإدارة للوقت والمس بحجية الشيء المقضي به.
ترتيبا على ذلك "أنه من المتفق عليه فقها وقضاء أن إرجاع أو رد الحالة إلى ما كانت عليه تعتبر من المسائل الوقتية التي تكتسي طابعا استعجاليا ويبقى أمر البت في طلب ذلك من صميم اختصاص قاضي المستعجلات.
إن إصدار رئيس الجماعة الحضرية المدعى عليها لقرار ثان بإخلاء المدعية من العقار الذي تكتريه يبقى مجرد استنساخ لقراره الأول الصادر في نفس الموضوع والذي هو محل طعن لا زال جاريا أمام المحكمة الإدارية وصدر بشأنه حكم قضى بإيقاف تنفيذه، وقيامه رغم ذلك بتنفيذه وباستعمال القوة العمومية دون سحب قراره الأول في تجاهل تام للمساطر القضائية الجارية، وصدور حكم بإيقاف تنفيذه يعد قرارا فاقدا للمشروعية وينطوي على تعسف في استعمال الحق يرقى إلى درجة الاعتداء المادي البين يبرر تدخل قاضي المستعجلات لوضع حد له وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه تكريسا لمبدأ الأمن القضائي وحفاظا على ثقة المتقاضين بصفة عامة والمستثمرين بصفة خاصة مغاربة وأجانب في الحماية القضائية".
ولا يخفى أن تنفيذ الأحكام القضائية هو الهدف المتوخى من اللجوء إلى القضاء، إذ لا ينفع التكلم بحق لا نفاذ له، كما أن عدم التنفيذ أو التأخير فيه يلحق ضررا جسيما بالمحكوم له، ويؤثر بالتالي على مصداقية الأحكام وعلى ثقة المواطنين في القضاء.
وتكمن أهمية موضوع تنفيذ الأحكام القضائية في كونها أسمى تعبير من كل الأطراف المعنية عن تمجيد القضاء وتكريم السلطة القضائية، وفي ذات الوقت اعترافا بحقوق المواطنين واحتراما وتكريسا لحقوق الإنسان، ، طبقا لما أكده عليه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، خلال ترأسه لافتتاح أشغال دورة المجلس الأعلى للقضاء يوم 15 دجنبر 1999حيث أكد حفظه الله أنه : " ... من البديهي أنه لن يحقق القضاء هذا المبتغى إلا إذا ضمنا لهيئته الحرمة اللازمة والفعالية الضرورية بجعل أحكامه الصادرة باسمنا تستهدف الإنصاف وفورية البت والتنفيذ، وجريان مفعولها على من يعنيهم الأمر".
وقد تطور مبدأ تنفيذ الأحكام إلى أن صار مبدأ دستوريا كرسه الفصل 126 من دستور المملكة بتنصيصيه على ما مؤداه: "يجب على الجميع احترام الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء
وفي الواقع لا قيمة للحماية القضائية بدون تحقق تنفيذ الأحكام النهائية خاصة منها الصادرة في مواجهة ،ولاشك أن مرور ثلاث سنوات على المصادقة على الدستور الجديد ، لم يحل دون رصد واقع لا يرتفع يتجلى في تسجيل مواقف سلبية في حق الإدارة المطلوب ضدها التنفيذ وتفاوتها بين
-امتناعها الصريح عن التفيذ
- إلى تراخيها في التنفيذ
- مرورا بتنفيذها الناقص لقوة الشيء المقضي به
وهكذا أصبحت ظاهرة عدم تنفيذ الأحكام الإدارية تستأهل حلولا ناجعة ومكرسة لمبدأ احترام أحكام القضاء الإداري وضرورة تنفيذها .مادام أن الحماية القضائية لا تكتمل إلا بتمام تنفيذ الأحكام ، ولا قيمة لأحكام القضاء إذا لم يتم تنفيذ ها ، لاسيما في ظل تطور القيم والمبادئ الديمقراطية في الدولة القانونية التي تعتبر الإدارة مثلها مثل الأفراد ملتزمة بتنفيذ الأحكام المكتسبة لقوة الشيء المقضي به
إن محدودية الحلول التي اهتدى إليها القاضي الإداري لإجبار الإدارة على تنفيذ أحكامه والمتميزة هي الأخرى بمرجعية القانون الخاص وعدم اقترانها بآليات قانونية كفيلة بإجبار الإدارة على التنفيذ
وتفريعا عن ذلك ، فإن أي مقاربة قانونية لإشكالية تنفيذ الأحكام الإدارية والحلول تقتضي :
أولا إزالة كل أشكال الشطط والتعسف المنافية للشرعية والقانون بالتزام الإدارة صحيح القانون في قراراتها وأعمالها الإدارية والمادية
ثانيا استحضار المرتكزات الدستورية لإشكالية تنفيذ الأحكام الإدارية باعتبارها مدخلا لأي معالجة تشريعية لاحقة :
-أن التنفيذ عملية قانونية وقضائية يستقل بها القضاء الإداري ويختص بها دون غيره ،ويحظر تدخل أي جهة كيفما كانت في إجراءاته .
-أن التنفيذ يتضمن في طياته نهاية المنازعة القضائية الإدارية ،وأن القاضي الإداري مدعو إلى السير بإجراءاته إلى نهايتها، تقيدا منه بقوة الشيء المقضي به.
-خضوع الجميع إدارة ومواطنين لقوة الشيء المقضي به طبقا لمبدّأ المساواة أمام القانون والقضاء.
-وجوب امثتال الإدارة بقوة القانون لقوة الشيء المقضي به ،تحت طائلة إخضاعها لطرق التنفيذ الجبري المتوافقة مع طبيعتها.
-التنفيذ داخل الأجل المعقول ،فإذا كانت إجراءات المحاكمة والبت تخضع للأجل المعقول طبقا لما أقره الدستور ،فبصفة أولى خضوع التنفيذ لهذه الأحكام تيسيرا على المنفذ له في الحصول على حقه بسرعة.
- عدم جواز فرض أو سلوك إجراءات إدارية أو قضائية تعيق التنفيذ أو تشل فعاليته من خلال الاستشكالات في التنفيذ غير الجدية
أو الكيدية.
-عدالة التنفيذ بإجراءات منصفة وفعالة وسريعة ،ومرنة وغير مكلفة ماديا ومعنويا للخصوم.
وعلى هذا الأساس، يكون المشرع مدعوا إلى التدخل لسن قواعد قانونية واضحة المعالم وفقا لما أقره مشروع قانون المسطرة المدنية تفعيلا للمقتضيات الدستورية المؤكدة على عدم المساس بحجية أحكام القضاء الإداري ودعم مصداقية أحكامه ، وذلك من خلال :
- إصدار قانون خاص بالإجراءات الإدارية مستقلا عن قانون المسطرة المدنية في أفق إحداث المحكمة العليا الإدارية ، وتخصيص باب مستقل بتنفيذ الأحكام الإدارية .
- تفعيل دور مؤسسة قاضي التنفيذ في مجال تنفيذ الأحكام الإدارية مع اضطلاع كل محكمة إدارية بتنفيذ أحكامها ،وبواسطة المفوض القضائي المختار في حالة وقوع التنفيذ خارج الدائرة القضائية للمحكمة التي أصدرت الحكم المراد تنفيذه.
-تمكين المنفذ له من اختيار المحكمة المراد التنفيذ في دائرتها بالنظر لوقوع الشيء المحل التنفيذ،وفك الارتباط بين المحكمة المصدرة للحكم وبين جهة التنفيذ
- التنصيص على المسؤولية الشخصية للموظف العمومي الممتنع عن تنفيذ الأحكام الإدارية بدون وجه حق
- إقرار مسؤوليته التأديبية
-إقرار مسؤولية الموظف الجنائية وفقا لما قرره مشروع قانون المسطرة المدنية ،والمادة 308 من مسودة القانون الجنائي التي جرمت عدم تنفيذ الأحكام أو التسبب في التأخير في تنفيذها في خطوة مهمة ورائدة تبتغي ضمان فعالية جدية في إلزام المنفذ عليهم كانوا أشخاص ذاتيين أو معنويين في تنفيذ قوة الشيء المقضي به والانصياع جبرا للأحكام القضائية باعتبارها عنوان الحقيقة.
ولاشك أن تفعيل نظام المسؤولية بمختلف تصوراتها وتمظهراتها عن عدم التنفيذ يمثل تخفيفا لأعباء مالية إضافية عن الإدارة عندما يثبت أن سبب الامتناع عن التنفيذ موقف شخصي صرف .
- نشر القرار الإداري التأديبي أو الحكم القاضي بتطبيق جزاءات مالية ضد الممتنع عن تنفيذ حكم إداري ،في جريدة وطنية أو أكثر .
-اعتبار الحكم الذي يلزم مالية الإدارة بمثابة أمر بالأداء ملزم لميزانية الإدارة المعنية بالتنفيذ باعتباره من الوثائق المحاسباتية المقبولة للدفع مع وجوب تضمن هذه الميزانية لبند خاص بتنفيذ الأحكام الإدارية وفقا لما قرره مشروع قانون المسطرة المدنية .
وقد لقد كان من نتائج التكريس الدستوري لمبدأ تنفيذ الأحكام ،وإقراره لمسؤولية الدولة في تطبيق القوانين،أن أصبح الوزراء دستوريا مسؤولون عن تنفيذ السياسة الحكومية كل في القطاع المكلف به، وفي إطار التضامن الحكومي(الفصل 93) تحت إشراف رئيس الحكومة باعتباره صاحب السلطة التنظيمية(الفصل 90).
وإذا كان رئيس الحكومة يمثل الدولة أمام القضاء ،فإن عدم توفر ميزانية رئيس الحكومة على اعتمادات مالية من أجل تنفيذ الأحكام،يطرح إشكال حقيقي في غاية الأهمية والخطورة في نفس الوقت بالنسبة للأحكام القاضية على الدولة مباشرة بأداء مبالغ مالية ،من جهة تحديد الجهة المخاطبة بالتنفيذ ،والحساب المالي المرصود له،لاسيما أمام تعاظم دور مؤسسة رآسة الحكومة و واستقلالها عن باقي الوزارات ماليا وإداريا ،وتمتعها بالشخصية المعنوية مثلها مثل رآسة الحكومة .
ومن المهم الإشارة أن عدد ملفات التنفيذ ضد الدولة التي تتطلب حلا عاجلا لمواجهتها صارت مرتفعة جدا بشكل لا يتصور، لاسيما وأن المستفيدين من هذه الأحكام ما فتئو يتقدمون بطلب لتحرير محاضر امتناع في مواجهة الدولة في شخص رئيس الحكومة ،لذلك يقترح إيجاد حلول عاجلة للتنفيذ،وتوفير ميزانية بهذا الخصوص ،لأنه لا قيمة للأحكام بدون تنفيذ ،ولا قيمة لدولة الحق والقانون بدون حماية فعالة لحقوق المواطنين بالوصول إليها وتنفيذها بسرعة ويسر وفي أقرب الآجال.
وهكذا فإن الإدارة ملزمة قانونا ودستوريا بالخضوع إراديا وتلقائيا للقاعدة القانونية بمفهومها الواسع مادام تفعيل مفهوم العدالة الإدارية يستند إلى إجبارية خضوع الإدارة تلقائيا وبحسن نية لمبدأ الشرعية الدستورية، ليس فقط سلبا، بالاستنكاف عن مخالفة ما قرره القضاء ، بل كذلك إيجابا بالعمل على اتخاذ جميع الإجراءات والتدابير اللازمة لتنفيذ قوة الشيء المقضي به